كان يوما غائما وعبوسا كانت ملامحه مظلمة و لكنها رائقة كانت نسماته الباردة تهب على وجنتي من هنا و هناك و قد كنا نسير على أقدامنا نحن الأصدقاء أصدقاء الطفولة و أصدقاء الحي و أصدقاء المدرسة و من الجهة الأخرى أصدقاء البلدة كنا قد عقدنا العزم على أننا سوف نخيم وسط تلك الواحة التي لا تقهر و لا تعرف اليأس ، إنها تقاتل من أجل الحياة قتالا ضروس وسط سديم الصحراء وجحيمها. لقد حملنا زادنا و إنطلقنا سيرا على الأقدام وسط طبيعة مكان لا يجعلك تشعر بأي ملل.
كانت واحة مفعمة بالحيوية كانت واحة بكر و تلك الرائحة لا يمكن أن أنساها أبدا حين إلتقت حبات المطر في ذلك اليوم الغائم مع أشجار النخيل و الأعشاب لتنشر رائحة تلك الواحة البكر التي لا يعرف قيمتها إلا قلة في تلك الأرض الطيبة ، لقد واصلنا سيرنا و نحن نغني و نمرح من أجل حياة عرفناها بصورة و اليوم نحن نراها بصور أخرى. صور عديدة يغلب عليها الألم و الحزن مثل صورة ذاك المهرج المضحك و لكنه حين يعود للمنزل لا يكف عن البكاء ، بدأنا بالإقتراب من مكان التخييم و بدأ كل صديق يفكر في مبتغاه هناك من كان يفكر في الأكل و الشواء و هناك من كان يفكر في إكتشاف روعة المكان و هناك من كان يفكر في سرقة الثمار من البساتين و كنت أنا في مقدمتهم.
هكذا بدأنا التخييم و هكذا واصلنا الرحلة كانت رحلة جنونية فيها ذكريات من الماضي السعيد و أيام من الزمن الجميل حيث كانت كثبان الرمال تحيط بنا من كل مكان.