حين تلد في الصحراء تعرف معنى السراب الذي يظهر فيها و يتوارى بين كثبانها الذهبية و حين تهب تلك النسمات القوية و يملأ فمك بالتراب و رياح السموم تضرب من جانبها بكل قوة و عظمة و تقول في نفسها من يستطيع مقارعتي في هذه الحلبة اللامتناهية من الكثبان و الأمواج المتلاطمة من الرمال ، إنه مشهد مذهل من الطبيعة و آية أخرى لمن له قلب و إيمان ، إنه يوم آخر وسط ضباب الصحراء و تيهها و عنفوانها إنها جذابة و قاهرة و حية و صعبة المنال حيث فيها الحياة و الموت و الأخضر و اليابس.
إنها صحراء لا تعرف المستحيل ولعل الغريب فيها هو أنه و وسط جحيمها المقفر و خلف كثبانها القاحلة و في أركانها المهلكة و المظلمة من شدة الجفاف الذي لا يرحم فهناك دائما فرصة وسط جحيمها الغاضب ، إن فرصها كثيرة فهي لا تخلو من حياة و في موتها الطاغي يوجد دائما ينبوع الحياة ، إنه ماءها الغائر في باطن الأرض ، إنه كنزها الدفين الذي يبحث عنه الجميع فكل المخلوقات تبحث في كل يوم عن فرصة.
و فجأة تسمع في قلب الصحراء جميع المخلوقات تنادي الماء.....الماء ، كلهم يبحثون عنه و يوشوشون و يتهامسون في صوت خافت أين نجده أين هو نحن نبحث ، إنه كنز الصحراء الدفين وسط كثبان لا يبدو لها نهاية. إنها مفارقة الصحراء أن نبحث عن الماء فلا نجد سوى السراب الذي يراه المرء من بعيد فإذا أتاه لم يجده سوى وهما أو زيف ليعرف الإنسان من خلاله أن هناك حقيقة في هذا العالم و هناك خيال.