الرئيسية » » ذكرياتي في طفولتي

ذكرياتي في طفولتي

ذكرياتي في طفولتي

مازلت أذكرها كثيرا و لا أستطيع نسيانها لأنها مشاهد خالدة لا يمحوها شيئ حتى مرور الزمن أثبت عجزه أمامها فهي مثل جبل عظيم لا يحركه شيئ سوى رياح واهية من هنا و هناك ، تغرد الطيور من هنا و هناك فأرى نفسي داخلها و أنا أطير أحمل في يدي جذوة من نار لأسلمها لأحدهم و أنا لا أدري من هو لعله العادل الذي لطالما شاهدته في الأفلام حيث كان يحقق العدالة بنفسه للضعفاء و المساكين و يتجاوز القانون الذي لم ينصف يوما ضعيف ؟


لقد حلمت دائما بالطيران و في طفولتي لم أفكر يوما أن أصبح طبيبا لقد كانت أحلام الطفولة مثل لوحات رسمتها الطبيعة فكان لكل لوحة تعبيرها و عبرت كل لوحة عن نفسها من خلال الألوان و كأي حياة كانت هناك أيام بيضاء و أخرى سوداء أما السماء فكانت زرقاء عكست دائما لون محيط أزرق لم يكتشف بعد أما السحب فكانت عابرة سبيل مثلها مثل أي إنسان لقد عكست قلب أحدهم لأنها كانت بيضاء في عالم موشح بالسواد وسط قلوب لا تعرف سوى الشر و الحسد ، كانت الغابة في طفولتي خضراء إلى حد السواد كبلاد السواد وسط الصحراء لقد كانت حلما يانعا و أملا وراء الأفق البعيد حيث كانت الدمى المتحركة تأخذني إلى هناك و تلك القصص و الروايات البعيدة خلف المحيط الهائج كنت أصدقها في صغري لأني كنت ساذجا كأي طفل آخر.

إنني أكتب عن هذا و لم أنتهي بعد إنها قصة خالدة و لوحة راسخة و لطالما وجدت كل الكلمات لهذا لأنها مسألة شخصية فكثيرون قضو طفولتهم دون أي طفولة و كثيرون لا يستطيعون الكتابة لأنه ليس لديهم ما يكتبوه أما أنا و الحمد لله فقصصي التي أكتبها في كتابي هذا لا تنتهي لأنها سوف تبقى خالدة على الأقل في هذه الحياة الدنيا التي أصبحت اليوم مليئة بأشد الناس دناءة ؟
ترسم الطفولة لوحات مذهلة فيها جميع الألوان لتعبر عن مشاعر و أحاسيس متداخلة وسط إطار تجاوزه التاريخ و تلاعبت به الأيام لكنه بقي صامدا رغم شدة الظروف كما بقيت الألوان تعبر عن مراحل حياة أما اللوحة فهي مليئة بذكريات لا تنسى من ماضي مر و إنقضى لكنه كان فسحة مميزة في حياة أحدهم أو حياة كثيرين ، تكاد هذه اللوحة تنطق من شدة التعبير لتقول أن الماضي لا يعود أبدا و أن غوض غمار الواقع لا يمكن تجنبه سوى من خلال التركيز مع لوحة ما و محاولة فهم ما يمكن فهمه من أحداث متسارعة و أهوال متداخلة و أزمنة متشابكة.
يقف القلم عاجزا عما يدور في الذهن و يسرع نبضات القلب حينها تتلاشى الحروف و تصبح الجمل ثقيلة فلا أدري ما الذي سوف أكتبه وسط الظلام المهلك و هل ستكون كتاباتي جذوة من نور تنير أمامي طريقا ظل فيه كثيرون السبيل ؟؟


يحدث كل هذا كعبرة يقدمها الزمن هدية ثمينة لتصفح سجلات من الذكريات التي مرت و إنقضت وسط جحافل الغوغاء ، إنني أدونها من فرط الأسى على الماضي و تلك الأطلال لقد إستوقفتني للحظة و ألهمتني لبرهة لأستنبط منها فكرة و أكتب فيها قصة صفحاتها لا تندثر و حروفها لا تنطفئ فهي شموع مشتعلة وسط الظلام تعزي جثث أمة فاحت رائحة موتاها من بلاد الشام إلى بلاد المغرب، إنها ليست رائحة شواء الحيوانات بل إنها رائحة شواء ما تبقى من ضحايا هذه الأمة المنكوبة بذكرى الذل و الهوان !



 

copyright © 2020. كتابـــي - جميع الحقوق محفوظة