تمر الأيام مسرعة و يمر العمر بنفس الطريقة التي رسمها لنفسه بين أضواء مختلفة تملأ هذا الطريق و تتسارع الأحداث فمنها ما هو إيجابي و منها ما هو سلبي لتنتج دروسا من صنع مدرسة الحياة فلا يبقى للفكر حجة و لا للأعذار وجود ، إنها رحلة و مغامرة يخوضها الإنسان و يحاول أن يجد تلك اللحظة الفارقة في قلب الزمان ليغير ما يستطيع هو تغييره أو تغيره هي و تأخذه حيث تريد أن تأخذه ؟
هكذا هي لحظات العمر تترنح تارة يمينا و تارة شمالا كزورق خشبي يشبه القشة في مهب الريح و هو يحاول أن يسلك طريقا كان لزاما عليه أن يسلكه وسط ما هو معلوم و ما فيه من مجهول ، يرسم هذا الزورق الخشبي المتهالك لنفسه طريقا وسط أمواج لا ترحم تلقي به هنا أو هناك و تقول له أنها هي المسيطر و هي الأقوى لكنه و رغم تسلط الأمواج الهائجة عليه كالطوفان الذي يسحق كل من يعترض طريقه و يقول له أنه لا هروب اليوم من القدر . يحدث كل هذا و السماء تنظر و تتابع مصير هذا الزورق الذي صنع من خشب الأشجار و من غابة قطعت كل أشجارها و ولى زمانها و لكنه لا يتوقف فلا مجال للتراجع فالماء يحيط بكل شيئ و الأمواج تضرب و تتراجع و تعود من جديد لتقول كلمتها الفصل وسط المحيط ؟
إنها لحظة وسط المحيط الهائج يكاد ذلك الزورق المتهالك أن ينقلب بين الأمواج رأسا على عقب لتنتهي رحلته حتى قبل أن تبدأ لكن الأقدار تعطي لهذا الزورق فرصة الحياة بعد أن كانت ستنهي جميع فرصه في الحياة ، إنها أقدار المحيط و عبرة الأمواج و فرص الحياة التي تتصل و تفترق من حياة إلى حياة فتلقي بقدرها على هذا و تلقي بحظها الوافر على ذاك فتتغير بوصلة الحياة من النقيض إلى النقيض في جزء من الثانية أو في لحظة ما لتجعل حياة ما تستمر بطريقة أو بأخرى.
تواصل الأمواج تلاعبها بالزورق الخشبي بين الأمواج و تأتي رياح من هنا و هناك لتساعد أو تعرقل فمنها ما يدفع إلى الأمام و منها ما يعيده إلى الخلف لكن المهم هو أنه يتقدم إلى الأمام أكثر و هو يصارع أمواجا كالجبال و لكن اليابسة أيضا ما تزال غائبة و غير ظاهرة و لا أحد يعلم أتدفع الأمواج و الرياح زورقنا إلى اليابسة أما تجعله يدور في حلقة مفرغة وسط بحر لا يهدأ ؟
تبدو اللحظات في الحياة متباينة منها ما يسر و منها ما يحزن إنها تلعب بالقلوب فتجعلها بين مد و جزر لا شيئ يصمد للأبد في هذه الحياة و حتى غضب المحيط الهائج لا يستمر للأبد و في النهاية تأتي لحظة من لحظات الهدوء و السكينة فيلفظ المحيط نفاياته حتى لو إضطره الأمر أن يلقي بها في اليابسة التي لطالما بحث عنها ذلك الزورق و لم يجدها لكن المحيط و هيجانه كان نعمة و لم يكن نقمة فأنقذ المركب الخشبي و جعله يطفو على شاطئ مجهول لا أحد يعلم ما الذي كان ينتظره هناك و هل هذه جزيرة الوحش أم جزيرة الكنز...........