لا أستطيع أن أعود للكتابة من دون ذكريات و خواطر و تدوينات لعلها تشفي قلبي من أمراض شتى ترتسم ملامحها في الأفق البعيد مضيئة جوهرها كأنها كوكب دري في وسط الظلام المهلك الذي يسعد به الأشرار و يفرح به الأنذال و يدمي في الوقت نفسه قلوبا كانت قد قرحت من صدمات الواقع و أحيانا قد قنطت من وجود نور يرى بصيصيه وسط ظلام بحر لجي؟
إنها كلمة ذكريات و التي قد تدور في فلكها كل الحياة معلنة بكل وضوح أنه لا شيئ يبقى و كل شيئ يفنى سوى الذكريات ، قد تكون المدرسة بداية اللعبة و ليست نهايتها لأنها بالنسبة لأي إنسان ليست سوى لعبة يتحكم في مصيرها القدر و يملك كل خيوطها القضاء العادل إنه ليس قضاء الإنسان المسخ الذي وضعه و لكنه قضاء السماء و الذي لا يظلم مثقال حبة من خردل و لو لم تكن ذنوبنا لما تحكم فينا الظلمة و الطغاة ، إنها عدالة يكتبها العبد المذنب.
لتكون عودة أخرى لذكرى لا تنسى كسفينة في الصحراء تنخر عباب أمواج من الرمال اللامتناهية و تدور و تمور وسط هذه الأمواج الصاخبة و هي تمضي في ثبات لتعود إلى الماضي السحيق الذي لم يزل خالدا وسط قلب لم و لن ينسى و هو يرى تلك الأيام الجميلة في تلك المدرسة الصغيرة التي لم تزل صورتها عالقة وسط ذاكرة لا تبلى ، إن الكلمات هنا قد لا تعبر عن كل شيئ بالضرورة لكنها من دون شك تعبر عن أشياء أخرى عالقة في إحساس الكاتب؟
إنني الآن و في هذه الآونة و بكل صدق و في هذه الفترة تحديدا أعود إلى توازني الذي قد أكون فقدته في فترات أخرى كعصفور صغير عاد إلى عشه و سط شتاء لم ينقطع فيه المطر عن الهطول ليقول في النهاية أن البرد لا يدوم و أنه و مهما كانت هناك عواصف هوجاء قد يمر بها الإنسان أو تمر على هذه الأمة الكسيرة فإن غدا لناظره لقريب و أن طول الليل لا و لن ينفي أبدا بزوغ الفجر في الغد القريب ؟
و بعد كل هذه الأمواج الهادرة من الرمال و العواصف الهوجاء وسط الصحراء المذهلة يرى الإنسان أفق الذكريات يلوح من بعيد ليقول أن الذكرى مهما كانت بعيدة فإنها قريبة و خالدة في ذاكرة الكاتب و أنه لا مكان للنسيان إلا بالفناء و ليس هناك مفر أبدا لأي شيئ من النهاية!
عندما تصل إلى هناك لا تجد سوى أياما مغايرة تماما لأيام اليوم و أزمنة مختلفة تماما و أمكنة لأزمنة أخرى ، إنها أيام المدرسة لقد كانت بالنسبة لي بداية من دون نهاية و أزمنة ثابتة لا تتحرك لأنها كانت أياما رائعة لم تكن جميلة فحسب بل كانت خالدة في ذاكرتي و ذاكرة كثيرين قد يرون ما أراه.
لقد كانت أياما حالمة تلك التي قضيتها في تلك المدرسة لم تكن أياما عابرة و لكنها كانت لحظات خالدة لن تعود بعدها أبدا لأن الزمن قد ألقى كلمته الفصل و جعلها لحظات يريد الجميع عودتها في يوم من الأيام ، كانت الأوقات في المدرسة تروي في كل يوم قصة من قصص أليس في بلاد العجائب فكل بلدة كانت لها قصتها و هي ترويها لنا حين كنا صغارا و كنا نعشق تلك الغرائب و العجائب خاصة تلك التي كنا نعيشها و نحن صغار في المدرسة و ذكراها التي لن تمحى أبدا !